الاثنين، 20 سبتمبر 2021

إن مجرتنا كإنسان منا

 

 

 



     ولأول مرة يكتشف مدى التشابه بين الفضاء الخارجى والفضاء الداخلى. لقد شعر أمام الكونين الداخلى والخارجى كأنه كان يقف بين مرآتين متقابلتين، ليتكوَّن عدد لانهائى من الصور المتطابقة المنعكسة على تلك المرايا.

 🌌 🌌 🌌 🌌

     إن الفضاء الخارجى والفضاء الداخلى بالفعل يجمعهما تشابه ما. فكما كان يرى المجرة من بعيد وكأنها جسم مُصمَت ليكتشف بعدما يغوص فيها ذلك الفضاء الكونى الهائل بين النجوم والكواكب وغيرها، كذلك الجسد الإنسانى الذى يُظَن من الخارج أنه يتكون من أنسجة وخلايا مصمتة لكنه مملوء فراغ بين جزيئاته، وبين ذراته فى ترتيبها فى الجزيئات، وفراغ كبير نسبيًا داخل ذراته بين الإليكترونات والنواة، وفراغ بين الكواركات. 

  🌌 🌌 🌌 🌌

    تذكَّر فجأة أن المخ يحتوى على حوالى مائة مليار خلية وهو عدد يماثل عدد نجوم مجرتنا "درب التبانة" -حسب إحدى التقديرات. ابتسم حين تذكر أن شكل الخلايا العصبية بالفعل يشبه الشموس. وتساءل فى نفسه: لماذا لم يربط بين هاتين المعلومتين قبلًا؟ ألعل الربط الآن بسبب مسار جديد لم تطرقه قبلًا النبضات العصبية فى مخه بين الخلايا العصبية المرتبطة معًا بشبكة هائلة من الاتصالات بتعقيد يفوق تعقيد شبكة الإنترنت؟ ألعل هذا التماثل العددى بين خلايا المخ ونجوم المجرة هو أحد عجائب الأرقام؟ كان "عقل" يظن طيلة عمره أن الأعداد هى اختراع بشرىّ، لكنه فى الفترة الأخيرة بدأ يفكر فى كونها اكتشافًا لإحدى موجودات الكون. فللأعداد عجائبها -كعجائب العدد تسعة مثلًا- التى ليس للإنسان أى يد فيها. لذا بدأ يميل لفكرة أن دور الإنسان تمثّل فى ترميزها؛ أى إطلاق الأسماء عليها تمامًا كما أطلق الأسماء على الحيوانات والنباتات والموجودات المادية الأخرى، وكذا أعطى أسماء للمشاعر والصفات. ثم أخذ فى دراسة هذه الأعداد واستكشافها واكتشاف المعادلات والقوانين التى تحكمها فى بحور علم الرياضيات المترامية الشطوط، ظانًا أحيانًا أنها وليدة أفكاره ونتاج اختراعه.

     عاد "عقل" من شروده المؤقت فى الأعداد وعجائبها ليفكر ثانيةً فى عدد خلايا المخ البشرى وعدد نجوم مجرتنا، وأخذ يخاطب ذاته: إن مجرتنا كإنسان منا. رأس أو مخ الإنسان يقابله رأس أو نجوم المجرة. شرد عقله أكثر وتساءل بانبهار: هل كل إنسان منا هو مجرة فى كون موازٍ, أم أن كل مجرة فى الكون هى إنسان هائل الحجم مخه هو كتلة النجوم مجتمعة؟! وإن كان هذا صحيحًا فهل يعنى هذا وجود عدد لا نهائى من الأكوان داخل بعضها، داخل كل كون يحيا بشر يمثل كل منهم مجرة كون أصغر يحيا فيه بشر أيضًا بأمخاخهم فيمثلون مجرات أصغر، وهكذا إلى ما لا نهاية!

     شعر "عقل" أن عقله يعانى حدوث زلازل وبراكين داخلية، أو أنه ببساطة على حافة الجنون. فرك عينيه رادًا شرود عقله، واستدعى ذهنه كلمات "نور" القائلة: "إنها وحدة التصميم، وإنه النظام العام للخليقة، وإنها آثار ريشة الفنان الأعظم وأسلوبه الفريد الموجود فى لوحاته المختلفة. إن المصمم الخالق واحد."

     ... يا الله!! هكذا همس فى باطنه حينما أحس بالحيرة والجزع.



الجمعة، 15 يناير 2021

الرحلة المُبدئة للحياة

إنها رحلة كفاح مضنية لنصفك الأول نحو نصفك الثانى. رحلة الحيوان المنوى الممثِّل لوالدك حاملًا الصفات التى ترثها منه نحو البويضة الممثِّلة لوالدتك حاملة الصفات التى ترثها منها. وقد زوده خالقه بالوقود الكافى لتلك الرحلة المُبدِئة لحياتك حتى مُستقرَّه الأخير أى البويضة الموجودة داخل حصنها. ذلك الجدار السميك الذى لا يُخترَق إلا بإذابته بمواد مذيبة معينة يفرزها الحيوان المنوى هو وأقرانه معًا. إلا أن واحدًا فقط هو الذى يفوز باقتحام قلبها ومن ثَمَّ يترك كل ما له ويذوب داخلها ناسيًا استقلاليته تمامًا.
ودعنا نترجم ذلك علميًا: إن حيوانًا منويًا واحدًا ينجح فى اختراق جدار البويضة الداخلى ويصبح جداره الخلوى امتدادًا لجدارها الخلوى. لتدخل نواته وتتحد بنواة البويضة ليذوبا فى كيان واحد جديد. وهكذا يتخلى الحيوان المنوى عن باقى أجزائه خارجًا فيما عدا نواته، ليختفى بداخل البويضة. أما البويضة فتُبدِى إخلاصها التام وذلك بمنعها -بواسطة إفراز مواد كيميائية معينة- لأى حيوان منوى آخر من الدخول.

مرايا ومتناقضات